فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

سورة التوبة:
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَلِذَلِكَ قَلَّ فِيهَا الْمَنْسُوخُ، وَلَهَا سِتَّةُ أَسْمَاءً: التَّوْبَةُ، وَالْمُبَعْثِرَةُ، وَالْمُقَشْقِشَةُ، وَالْفَاضِحَةُ وَسُورَةُ الْبُحُوثِ، وَسُورَةُ الْعَذَابِ.
فَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِسُورَةِ التَّوْبَةِ فَلِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ فِيهَا تَوْبَةَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِتَبُوكَ.
فَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْفَاضِحَةِ فَلِأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ.
قَالَتْ الصَّحَابَةُ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا لَا تُبْقِي أَحَدًا.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا الْمُبَعْثِرَةُ فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى، يُقَالُ: بَعْثَرْت الْمَتَاعَ: إذَا جَعَلْت أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَقَلَبْت جَمِيعَهُ وَقَلَّبْتَهُ، وَمِنْهُ: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا الْمُقَشْقِشَةُ فَمِنْ الْجَمْعِ، فَإِنَّهَا جَمَعَتْ أَوْصَافَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَشَفَتْ أَسْرَارَ الدِّينِ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا سُورَةَ الْبُحُوثِ فَمِنْ بَحَثَ: إذَا اخْتَبَرَ وَاسْتَقْصَى، وَذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَتْ أَيْضًا مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ وَالْبَحْثِ عَنْ أَسْرَارِهِمْ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا سُورَةَ الْعَذَابِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانُوا يَدْعُونَ سُورَةَ التَّوْبَةِ إلَّا الْمُبَعْثِرَةَ، فَإِنَّهَا تُبَعْثِرُ أَخْبَارَ الْمُنَافِقِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَدْعُوهَا إلَّا الْمُقَشْقِشَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَثَلُ بَرَاءَةَ كَمَثَلِ الْمِرْوَدِ مَا يُدْرَى أَسْفَلُهُ مِنْ أَعْلَاه.
الْقَوْلُ فِي سُقُوطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْهَا: وَفِي ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ أَغْرَاضٌ جِمَاعُهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنَّهُ لَمَّا سَقَطَ أَوَّلُهَا سَقَطَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَعَهُ.
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُورَةَ بَرَاءَةَ كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ أَوْ قُرْبَهَا، فَذَهَبَ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يُكْتَبْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الثَّانِي: أَنَّ بَرَاءَةَ سُخْطٌ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَحْمَةٌ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَرَاءَةَ نَزَلَتْ بِرَفْعِ الْأَمَانِ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا احْتِمَالَاتٌ، مِنْهَا بَعِيدٌ وَمِنْهَا قَرِيبٌ؛ وَأَبْعَدُهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مُفْتَتَحَةٌ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ سُوَرًا كَثِيرَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ اُفْتُتِحَتْ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا}.
وَقَوْلِهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}.
الرَّابِعُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا ثَبَتَ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْنَا لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إلَى الْأَنْفَالِ، وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةَ، وَهِيَ مِنْ الْمِئِينِ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟.
قَالَ عُثْمَانُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَدْعُو بِبَعْضِ مَنْ يَكْتُبُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتْ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا؛ فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْت بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: آخِرُ مَا نَزَلَ بَرَاءَةٌ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ بِشَيْءٍ؛ فَلِذَلِكَ ضُمَّتْ إلَى الْأَنْفَالِ، وَكَانَتْ شَبِيهَةً بِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أُعْطِيت السَّبْعَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَأُعْطِيت الْمِئِينِ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَأُعْطِيت الْمَثَانِيَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ.
نُكْتَةٌ أُصُولِيَّةٌ: فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ كَانَ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ تَأْلِيفَهُ مِنْ تَنْزِيلِهِ يُبَيِّنُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ، وَيُمَيِّزُهُ لِكُتَّابِهِ، وَيُرَتِّبُهُ عَلَى أَبْوَابِهِ، إلَّا هَذِهِ السُّورَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ فِيهَا شَيْئًا؛ لِيَتَبَيَّنَّ الْخَلْقُ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَاطُ بِعِلْمِهِ إلَّا بِمَا أَبْرَزَ مِنْهُ إلَى الْخَلْقِ، وَأَوْضَحَهُ بِالْبَيَانِ.
وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ؛ أَلَا تَرَى إلَى عُثْمَانَ وَأَعْيَانِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ لَجَئُوا إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّةَ بَرَاءَةَ شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ الْأَنْفَالِ فَأَلْحَقُوهَا بِهَا؟ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ بَيَّنَ دُخُولَ الْقِيَاسِ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ فَمَا ظَنُّك بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في {براءة من الله ورسوله}:
هذه السور مَدَنيّة بالاتِّفاق.
وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيّين، وثلاثون عند الباقين.
عدد كلماتها أَلفان وأَربعمائة وسبع وتسعون كلمة.
وحروفها عشرة آلاف وسبعمائة وسبع وثمانون حرفًا.
والآيات المختلف فيها ثلاث {بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} {عَادٍ وَثَمُوْدَ} {عَذَابًا أَلِيمًا}.
مجموع فواصل آياته (ل م ن ر ب) يجمها (لم نربّ) على اللاَّام منها آية واحدة {إِلاَّ قَلِيل} وعلى الباءِ آية: {وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} وكلّ آية منها آخرها راء فما قبل الرّاءِ ياء.
ولهذه السّورة ثمانية أَسماء: الأَوّل براءَة؛ لافتتاحها بها، الثانى سورة التَّوبة؛ لكثرة ذكر التَّوبة فيها {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوْبُواْ} {لَقَدْ تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ} الثالث الفاضحة؛ لأَنَّ المنافقين افتَضَحوا عند نزولها.
الرّابع المبعثِرة؛ لأَنَّها تبعثِر عن أَسرار المنافقين.
وهذان الاسمان رُويا عن ابن عباس.
الخامس المُقَشْقِشَة؛ لأَنَّها بترىءُ المؤمن، فتنظِّفه من النفاق وهذا عن ابن عمر.
السّادس البَحُوث؛ لأَنَّها تَبْحَث عن نفاق المنافقين.
وهذا عن أَبى أَيُّوب الأَنصارى.
السابع سورة العذاب؛ لما فيها من انعقاد الكفَّار بالعذاب مرّة بعد أُخرَى {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} الثَّامن الحافرة؛ لأَنَّها تحفر قلوب أَهل النِّفاق بمثل قوله: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}، {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ}.
مقصود السّورة إِجمالًا: وَسْم قلوب الكُفَّار بالبراءَة، ورَدّ العهد عليهم، وأَمان مستمع القرآن، وقهر أَئمة الكفر وقتلهم، ومنع الأَجانب من عمارة المسجد الحرام، وتخصيصها بأَهل الإِسلام، والنَّهى عن موالاة الكفَّار، والإِشارة إِلى وقعة حرب حُنَيْن ومنع المشركين من دخول الكعبة، والحَرَم، وحضور الموسم، والأَمر بقتل كَفَرَة أَهل الكتاب وضرب الجزية عليهم، وتقبيح قول اليهود والنَّصارى في حقِّ عُزَير وعيسى عليهما السّلام، وتأْكيد رسالة الرّسول الصّادق المحقّ، وعيب أَحبار اليهود في أَكلهم الأَموال بالباطل، وعذاب مانعى الزكاة، وتخصيص الأَشهر الحرم من أَشهر السنة، وتقديم الكفار شهر المحرم، وتأخيرهم إِيَّاه، والأَمر بغزوة تَبُوك، وشكاية المتخلِّفين عن الغَزْو، وخروج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مع الصّديق رضى الله عنه من مَكَّة إِلى الغار بجبل ثَوْر، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك، وترصُّدهم وانتظارهم نكبة المسلمين، وردّ نفقاتهم عليهم، وقَسْم الصّدقات على المستحقِّين، واستهزاء المنافقين بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وبالقرآن، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضًا، ونيلهمالرّضوان الأَكثر بسبب موافقتهم، وتكذيب الحقِّ للمنافقين في إِيمانهم، ونهى النبي عن الاستغفار لأَحْيائهم، وعن الصلاة على أَمواتهم، وعَيْب المقصّرين على اعتذارهم بالأَعذار الباطلة، وذمّ الأَعراب في صلابتهم، وتمسكهم بالدّين الباطل، ومدح بعضهم بصلابتهم في دين الحقِّ، وذكر السّابقين من المهاجرين والأَنصار، وذكر المعترفين بتقصيرهم، وقبول الصّدقات من الفقراءِ، ودعائهم على ذلك، وقبول توبة التَّائبين، وذكر بناءِ مسجد ضِرار للغرض الفاسد، وبناءِ مسجد قُباء على الطَّاعة والتقوى، ومبَايعة الحقِّ تعالى عبيدَه باشتراءِ أَنفسهم وأَموالهم، ومعاوضتهم عن ذلك بالجنَّة، ونهى إِبراهيم الخليل من استغفار المشركين، وقبول توبة المتخلِّفين المخلِّص من غزوة تَبوك، وأَمر ناسٍ بطلب العلم والفقه في الدِّين، وفضحية المنافقين، وفتنتهم في كلِّ وقت، ورأْفة الرّسول صلَّى الله عليه وسلم، ورحمته لأُمته وأَمر الله نبيّه بالتوكُّل عليه في جميع أَحواله بقلوه: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا اله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} الآية.

.قال القرطبي:

سورة التوبة:
{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
فيه خمس مسائل:
الأولى: في أسمائها. قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن سورة براءة فقال: تلك الفاضحة ما زال ينزل: ومنهم ومنهم حتى خفنا ألا تدع أحدا. قال القشيري أبو نصر عبدالحميد: هذه السورة نزلت في غزوة تبوك ونزلت بعدها. وفي أولها نبذ عهود الكفار إليهم. وفي السورة كشف أسرار المنافقين. وتسمى الفاضحة والبحوث، لأنها تبحث عن أسرار المنافقين وتسمى المبعثرة والبعثرة: البحث.
الثانية: واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة على أقوال خمسة:
الأول: أنه قيل كان من شأن العرب في زمانها في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في الموسم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهد من ترك البسملة.
وقول ثان: روى النسائي قال حدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف قال حدثنا يزيد الرقاشي قال قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان ما حملكم إلى أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول فما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: «ضعوا هذا في السورة التي فيها كذا وكذا».
وتنزل عليه الآيات فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا». وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل وبراءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنه منها فظننت أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم. وخرجه أبو عيسى الترمذي وقال: هدا حديث حسن.
وقول ثالث: روي عن عثمان أيضا. وقال مالك فيما رواه ابن وهب وابن القاسم وابن عبدالحكم: إنه لما سقط أولها سقط بسم الله الرحمن الرحيم معه. وروي ذلك عن ابن عجلان أنه بلغه أن سورة براءة كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها فلذلك لم يكتب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم. وقال سعيد بن جبير: كانت مثل سورة البقرة.
وقول رابع: قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما. قالوا: لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة. وقال بعضهم: هما سورتان. فتركت بينهما فرجة لقول من قال أنهما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة فرضي الفريقان معا وثبتت حجتاهما في المصحف.
وقول خامس: قال عبدالله بن عباس: سألت علي بن أبي طالب لم لم يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان. وروي معناه عن المبرد قال: ولذلك لم يجمع بينهما فإن بسم الله الرحمن الرحيم رحمة وبراءة نزلت سخطة. ومثله عن سفيان. قال سفيان بن عيينة: إنما لم تكتب في صدر هذه السورة بسم الله الرحمن الرحيم لأن التسمية رحمة والرحمة أمان وهذه السورة نزلت في المنافقين وبالسيف ولا أمان للمنافقين. والصحيح أن التسمية لم تكتب لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها في هذه السورة قاله القشيري. وفي قول عثمان: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها دليل على أن السور كلها انتظمت بقوله وتبيينه وأن براءة وحدها ضمت إلى الأنفال من غير عهد من النبي صلى الله عليه وسلم لما عاجله من الحمام قبل تبيينه ذلك. وكانتا تدعيان القرينتين فوجب أن تجمعا وتضم إحداهما إلى الأخرى للوصف الذي لزمهما من الاقتران ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي.
الثالثة: قال ابن العربي: هذا دليل على أن القياس أصل في الدين ألا ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة كيف لجؤوا إلى قياس الشبه عند عدم النص ورأوا أن قصة براءة شبيهة بقصة الأنفال فألحقوها بها؟ فإذا كان الله تعالى قد بين دخول القياس في تأليف القرآن فما ظنك بسائر الأحكام. اهـ.